فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: لما برز طالوت لجالوت قال جالوت: أبرزوا إليّ من يقاتلني فإن قتلني فلكم ملكي وإن قتلته فلي ملككم فأتى بداود إلى طالوت فقاضاه إن قتله أن ينكحه ابنته وأن يحكمه في ماله فألبسه طالوت سلاحًا فكره داود أن يقاتله بسلاح وقال: إن الله تعالى إن لم ينصرني عليه لم يغن السلاح شيئًا فخرج إليه بالمقلاع ومخلاة فيها أحجار ثم برز له فقال له جالوت: أنت تقاتلني؟ قال داود: نعم قال: ويلك ما خرجت إلا كما تخرج إلى الكلب بالمقلاع والحجارة لأبددن لحمك ولأطعمنه اليوم للطير والسباع فقال له داود: بل أنت عدو الله تعالى شر من الكلب فأخذ داود حجرًا فرماه بالمقلاع فأصابت بين عينيه حتى قعدت في دماغه فصرخ جالوت وانهزم من معه واحتز رأسه.
{آتاه الله الملك} في بني إسرائيل بعد ما قتل جالوت وهلك طالوت، وذلك أن طالوت كما روي في بعض الأخبار لما رجع وفي الشرط فأنكح داود ابنته وأجرى خاتمه في ملكه فمال الناس إلى داود وأحبوه فلما رأى ذلك طالوت وجد في نفسه وحسده فأراد قتله فعلم به داود فسجى له زق خمر في مضجعه فدخل طالوت إلى منام داود وقد هرب داود فضرب الزق ضربة فخرقه فسال الخمر منه فقال: يرحم الله تعالى داود ما كان أكثر شربه للخمر ثم إن داود أتاه من القابلة في بيته وهو نائم فوضع سهمين عند رأسه وعند رجليه وعن يمينه وعن شماله سهمين فلما استيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفها فقال: يرحم الله تعالى داود هو خير مني ظفرت به فقتلته وظفر بي فكف عني ثم إنه ركب يومًا فوجده يمشي في البرية وطالوت على فرس فقال: اليوم أقتل داود وكان داود إذا فزع لا يدرك فركض على أثره طالوت ففزع داود فاشتد فدخل غارًا وأوحى الله تعالى إلى العنكبوت فضربت عليه بيتًا فلما انتهى طالوت إلى الغار ونظر إلى بناء العنكبوت قال: لو كان دخل هاهنا لخرق بيت العنكبوت فرجع، وجعل العلماء والعباد يطعنون عليه بما فعل مع داود وجعل هو يقتل العلماء وسائر من ينهاه عن قتل داود حتى قتل كثيرًا من الناس ثم إنه ندم بعد ذلك وخلى الملك وكان له عشرة بنين فأخذهم وخرج يقاتل في سبيل الله تعالى كفارة لما فعل حتى قتل هو وبنوه في سبيل الله تعالى فاجتمعت بنو إسرائيل على داود وملكوه أمرهم فهذا إيتاء الملك. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن قوله: {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ الله وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ} يدل على أن هزيمة عسكر جالوت كانت من طالوت وإن كان قتل جالوت ما كان إلا من داود ولا دلالة في الظاهر على أن انهزام العسكر كان قبل قتل جالوت أو بعده، لأن الواو لا تفيد الترتيب. اهـ.

.قال القرطبي:

وفي قول طالوت: ومن يبرز له ويقتله فأني أزوّجه ابنتي وأحكِّمه في مالي معناه ثابت في شرعنا، وهو أن يقول الإمام: من جاء برأس فله كذا، أو أسير فله كذا، على ما يأتي بيانه في الأنفال إن شاء الله تعالى.
وفيه دليل على أن المبارزة لا تكون إلاَّ بإذن الإمام؛ كما يقوله أحمد وإسحاق وغيرهما.
واختلف فيه عن الأوزاعيّ فحكي عنه أنه قال: لا يحمل أحد إلاَّ بإذن إمامه.
وحكي عنه أنه قال: لا بأس به، فإن نهى الإمام عن البَرَاز فلا يُبارز أحد إلاَّ بإذنه.
وأباحت طائفة البراز ولم تذكر بإذن الإمام ولا بغير إذنه؛ هذا قول مالك.
سئل مالك عن الرجل يقول بين الصفين: من يبارز؟ فقال: ذلك إلى نيته إن كان يريد بذلك الله فأرجو ألا يكون به بأس، قد كان يُفعَل ذلك فيما مضى.
وقال الشافعيّ: لا بأس بالمبارزة.
قال ابن المنذر: المبارزة بإذن الإمام حسن، وليس على من بارز بغير إذن الإمام حرج، وليس ذلك بمكروه لأني لا أعلم خبرًا يمنع منه. اهـ.

.قال الفخر:

قال بعضهم آتاه الله الملك والنبوة جزاء على ما فعل من الطاعة العظيمة، وبذل النفس في سبيل الله، مع أنه تعالى كان عالمًا بأنه صالح لتحمل أمر النبوة، والنبوة لا يمتنع جعلها جزاء على الطاعات كما قال تعالى: {وَلَقَدِ اخترناهم على عِلْمٍ عَلَى العالمين وآتيناهم مِنَ الآيات مَا فِيهِ بَلَؤٌاْ مُّبِينٌ} [الدخان: 32، 33] وقال: {الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] وظاهر هذه الآية يدل أيضًا على ذلك لأنه تعالى لما حكى عن داود أنه قتل جالوت، قال بعده: {وآتاه الله الملك والحكمة} والسلطان إذا أنعم على بعض عبيده الذين قاموا بخدمة شاقة، يغلب على الظن أن ذلك الإنعام لأجل تلك الخدمة، وقال الأكثرون: إن النبوة لا يجوز جعلها جزاء على الأعمال، بل ذلك محض التفضل والإنعام، قال تعالى: {الله يَصْطَفِى مِنَ الملائكة رُسُلًا وَمِنَ الناس} [الحج: 75]. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَآتَاهُ الله الملك والحكمة} قال السدي: أتاه الله ملك طالوت ونبوّة شمعون.
والذي علّمه هو صنعة الدرُوع ومنطق الطير وغير ذلك من أنواع ما علمه صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن عباس: هو أن الله أعطاه سلسلة موصولة بالمجرّة والفلك ورأسها عند صومعة داود؛ فكان لا يحدث في الهواء حدث إلاَّ صلصلت السلسلة فيعلم داود ما حدث، ولا يمسها ذو عاهة إلاَّ برىء؛ وكانت علامة دخول قومه في الدِّين أن يمسوها بأيديهم ثم يمسحون أكفّهم على صدورهم، وكانوا يتحاكمون إليها بعد داود عليه السَّلام إلى أن رفعت. اهـ.

.قال الفخر:

قال بعضهم: ظاهر الآية يدل على أن داود حين قتل جالوت آتاه الله الملك والنبوة، وذلك لأنه تعالى ذكر إيتاء الملك والنبوة عقيب ذكره لقتل داود جالوت، وترتيب الحكم على الوصف المناسب مشعر بكون ذلك الوصف علة لذلك الحكم، وبيان المناسبة أنه عليه السلام لما قتل مثل ذلك الخصم العظيم بالمقلاع والحجر، كان ذلك معجزًا، لاسيما وقد تعلقت الأحجار معه وقالت: خذنا فإنك تقتل جالوت بنا، فظهور المعجز يدل على النبوة، وأما الملك فلأن القوم لما شاهدوا منه قهر ذلك العدو العظيم المهيب بذلك العمل القليل، فلا شك أن النفوس تميل إليه وذلك يقتضي حصول الملك له ظاهرًا، وقال الأكثرون: إن حصول الملك والنبوة له تأخر عن ذلك الوقت بسبع سنين على ما قاله الضحاك، قالوا والروايات وردت بذلك، قالوا: لأن الله تعالى كان قد عين طالوت للملك فيبعد أن يعزله عن الملك حال حياته، والمشهور في أحوال بني إسرائيل كان نبي ذلك الزمان أشمويل، وملك ذلك الزمان طالوت، فلما توفي أشمويل أعطى الله تعالى النبوة لداود، ولما مات طالوت أعطى الله تعالى الملك لداود، فاجتمع الملك والنبوة فيه. اهـ.
وقال الفخر:
أما قوله تعالى: {وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء} ففيه وجوه أحدها: أن المراد به ما ذكره في قوله: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مّن بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: 80] وقال: {وَأَلَنَّا لَهُ الحديد أَنِ اعمل سابغات وَقَدّرْ في السرد} [سبأ: 10، 11].
وثانيها: أن المراد كلام الطير والنمل، قال تعالى حكاية عنه: {عُلّمْنَا مَنطِقَ الطير} [النمل: 16].
وثالثها: أن المراد به ما يتعلق بمصالح الدنيا وضبط الملك، فإنه ما ورث الملك من آبائه، لأنهم ما كانوا ملوكًا بل كانوا رعاة ورابعها: علم الدين، قال تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُودُ زَبُورًا} [النساء: 163] وذلك لأنه كان حاكمًا بين الناس، فلابد وأن يعلمه الله تعالى كيفية الحكم والقضاء وخامسها: الألحان الطيبة، ولا يبعد حمل اللفظ على الكل.
فإن قيل: إنه تعالى لما ذكر إنه آتاه الحكمة، وكان المراد بالحكمة النبوة، فقد دخل العلم في ذلك، فلم ذكر بعده {علمه مِمَّا يَشَاء}.
قلنا: المقصود منه التنبيه على أن العبد قط لا ينتهي إلى حالة يستغني عن التعلم، سواء كان نبيًا أو لم يكن، ولهذا السبب قال لمحمد صلى الله عليه وسلم: {وَقُل رَّبّ زِدْنِى عِلْمًا} [طه: 114]. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وعلمه مما يشاء} وقيل: الزبور، وقيل: الصوت الطيب والألحان، قيل: ولم يعط الله أحدًا من خلقه مثل صوته، كان إذا قرأ الزبور تدنو الوحوش حتى يأخذ بأعناقها، وتظله الطير مصيخة له، ويركد الماء الجاري، وتسكن الريح، وما صنعت المزامير والصنوج إلاَّ على صوته.
وقيل: {مما يشاء} فعل الطاعات والأمر بها، واجتناب المعاصي.
والضمير الفاعل في: يشاء عائد على داود أي: مما يشاء داود. اهـ.

.قال البقاعي:

ولما بين سبحانه وتعالى هذه الواقعة على طولها هذا البيان الذي يعجز عنه الإنس والجان بين حكمة الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل ما هو أعم من ذلك من تسليط بعض الناس على بعض بسبب أنه جبل البشر على خلائق موجبة للتجبر وطلب التفرد بالعلو المفضي إلى الاختلاف فقال- بانيًا له على ما تقديره: فدفع الله بذلك عن بني إسرائيل ما كان ابتلاهم به-: {ولولا دفع الله} المحيط بالحكمة والقدرة بقوته وقدرته {الناس} وقرئ: {دفاع}.
قال الحرالي: فعال من اثنين وما يقع من أحدهما دفع وهو رد الشيء بغلبة وقهر عن وجهته التي هو منبعث إليها بأشد منته، وهو أبلغ من الأول إشارة إلى أنه سبحانه وتعالى يفعل في ذلك فعل المبالغ.
ولما أثبت سبحانه وتعالى أن الفعل له خلقًا وإيجادًا بيّن أنه لعباده كسبًا ومباشرة فقال: {بعضهم ببعض} فتارة ينصر قويهم على ضعيفهم كما هو مقتضى القياس، وتارة ينصر ضعيفهم- كما فعل في قصة طالوت- على قويهم حتى لا يزال ما أقام بينهم من سبب الحفظ بهيبة بعضهم لبعض قائمًا {لفسدت الأرض} بأكل القوي الضعيف حتى لا يبقى أحد {ولكن الله} تعالى بعظمته وجلاله وعزته وكماله يكف بعض الناس ببعض ويولي بعض الظالمين بعضًا وقد يؤيد الدين بالرجل الفاجر على نظام دبّره وقانون أحكمه في الأزل يكون سببًا لكف القوي عن الضعيف إبقاء لهذا الوجود على هذا النظام إلى الحد الذي حده ثم يزيل الشحناء على زمن عيسى عليه الصلاة والسلام ليتم العلم بكمال قدرته واختياره وذلك من فضله على عباده وهو {ذو فضل} عظيم جدًا {على العالمين} أي كلهم أولًا بالإيجاد وثانيًا بالدفاع فهو يكف من ظلم الظلمة إما بعضهم ببعض أو بالصالحين وقليل ما هم ويسبغ عليهم غير ذلك من أثواب نعمه ظاهرة وباطنة، ومما يشتد اتصاله بهذه القصة ما أسنده الحافظ أبو القاسم بن عساكر في الكنى من تاريخ دمشق في ترجمة أبي عمرو بن العلاء عن الأصمعي قال: أنشدنا أبو عمرو بن العلاء قال: سمعت أعرابيًا ينشد وقد كنت خرجت إلى ظاهر البصرة متفرجًا مما نالني من طلب الحجاج واستخفائي منه:
صبر النفس عند كل ملمّ ** إن في الصبر حيلة المحتال

لا تضيقن في الأمور فقد ** يكشف لأواؤها بغير احتيال

ربما تجزع النفوس من ** الأمر له فرجة كحل العقال

قد يصاب الجبان في آخر ** الصفّ وينجو مقارع الأبطال

فقلت ما وراءك يا أعربي؟ فقال: مات الحجاج، فلم أدر بأيهما أفرح بموت الحجاج أو بقوله: له فرجة! لأني كنت أطلب شاهدًا لاختياري القراءة في سورة البقرة {إلا من اغترف غرفة} [البقرة: 249]- انتهى. اهـ.